17 - 07 - 2024

مؤشرات | الحكومة الجديدة .. ننتظر تحريكًا لملف مياه النيل

مؤشرات | الحكومة الجديدة .. ننتظر تحريكًا لملف مياه النيل

ملفات عديدة تنتظر الحكومة المرتقبة، والمتوقع تشكيلها خلال أيام، وتتنوع بين ما هو اقتصادي بالأساس، وملفات إجتماعية وأمنية ودفاعية، ويبقى لملف المياه أهمية كبيرة في هذه المرحلة الحرجة بعد شبه تجميد كامل للمفاوضات مع إثيوبيا منذ شهور.

القضية مقلقة، رغم كل التطمينات التي تصدر من هنا وهناك عن بعض من المسؤولين والخبراء، ومن المهم سرعة فتح هذا الملف مع الأطراف المختلفة، لأن الانتظار يعني الدخول في أوضاع أصعب مع استعدادات أديس أبابا للملء الخامس والأخير من سد النهضة.

قد يقول البعض ... لماذا تعمل مصر على إعادة فتح الملف التفاوضي مع إثيوبيا، والتي تتبع سياسة المماطلة في التفاوض، والإجابة ببساطة أننا الطرف الاكثر تضررَا من الوضع الراهن، وحقيقة ندرك أن مصر وصلت إلى أقصى حد من الصبر، وبالتعبير الدراج (جابت أخرها)، ولكن يبقى أن ملف المياه هو ملف أمن قومي مصري بالأساس، ومسألة حياة أوموت.

تابعت في الأيام الأخيرة تصريحات وكتابات الخبراء في ملف المياه، ولاشك أن ما يقولونه مقلق للغاية، فالقضية رغم حالة التطمينات تظل صعبة ومقلقة، وتثير حالة من عدم الإطمئان مع مرور الوقت، خصوصا مع اعتزام إثيوبيا إنشاء توسعات في سدود أخرى، مستفيدة من نجاح سياستها في فرض الأمر الواقع، وتلك التصريحات المستفزة من رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد"، والتي قال فيها حرفيا "الآن نعلنها بصوت عالٍ أصبح لدينا أكبر سد في العالم، ومن يريد الحرب سنذهب إليه قبل أن يأتي إلينا"، وفقا لما نقلته بعض المنصات الإعلامية.

وقد قيل ان تلك التصريحات غير دقيقة، إلا أن نفس المعاني القريبة قد قالها رئيس وزراء إثيوبيا، مثل تلك التي قالها في أول فبراير الماضي "إنَّ ملء خزان سد النهضة لم يعد من أولويات بلاده، التي احتفظت بما يكفي من المياه، وأن "السد العالي في مصر لم يتضرر كما كان يشاع سابقًا، وأنّ حكومته منفتحة على الحوار والتفاوض الذي يحقق المنافع المتبادلة".

وسبق أيضا وقال آبي أحمد، "إن ملء سد النهضة لن يكون محل نقاش بعد الآن، لكنه أبدى استعداد بلاده للتفاوض حول السد، وتلبية مطالب مصر بأقصى ما في وسعها، مع ضرورة إظهار مصر استعدادها لتلبية مطالب أديس أبابا".

ورغم كل ذلك، يبقى أن فتح الملف من الحكومة الجديدة أمر تفرضه الضرورة بالنسبة لنا واحتياجاتنا للتنمية، وصحيح أن مصر لم تشهد أزمة في المياه، ولكن وفقا لما قاله خبراء أمثال الدكتور عباس محمد شراقي، والدكتور نادر نور الدين وغيرهم، أن عدم مواجهة مصر لأزمات يرجع إلى ثمن إقتصادي كبير سددته مصر من خلال تخفيض مساحات زراعة الأرز والمحاصيل المستهلكة للمياه، بخلاف إنفاق ما يزيد عن 150 مليار جنيه على مشروعات تنقية ومعالجة مياه الصرف، ومليارات أخرى على مشروعات لتحلية المياه، والأبار الإرتوازية وغيرها.

ومن هنا تأتي أهمية فتح ملف أزمة المياه التي تتضرر منها مصر والسودان وللحصول على مياه نقية، ويقع عبء كبير على الحكومة الجديدة المرتقبة، خصوصًا أنه ووفقا لتقارير متابعة يعد إعلان إثيوبيا استعدادها للملء الخامس لسد النهضة خلال شهري يوليو سبتمبر القادمين، تعنتًا كبيراَ يحمل خطورة وأضرارعلى شعبي مصر والسودان، وهو ما دعا كثيرين لمطالبة الحكومة المصرية بسرعة التحرك للحفاظ على الحقوق المائية للمصريين،مع التحذير من استمرار إثيوبيا في عملية الملء الخامس، بعدما وصل التخزين الرابع في عند تخزين 41 مليار متر مكعب.

ويرى متابعون وخبراء أن إثيوبيا تعدت الخطوط الحمراء باستمرار تعنتها في ملء سد النهضة، بالتزامن مع توقف المفاوضات بين الدول الثلاث وهو ما يعني أن أديس أبابا مستمرة في تخزين المياه بمفردها، دون أي تعاون مع دولتي المصب، ومن هنا فعلي الحكومة العمل للحفاظ على الحقوق المائية للشعب المصري، كون النيل مصدر الحياة للمواطن.

ولابد ان ناخذ ما يقوله خبراء مثل الدكتور عدلي سعداوي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، عميد معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية لدول حوض النيل السابق، بجدية، "بأن استمرار إثيوبيا في عملية البناء والتخزين يتسبب فى تقليل إمدادات المياه وهو ما يعد تهديدا وجوديا، ولمصر خصوصاً، التي تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل، بينما تسعى إثيوبيا إلى التخزين الكامل للمياه بقيمة إجمالية تراوح بين 64-74 مليار متر مكعب.

الأرقام التي وردت على لسان خبراء بينهم دكتور نادر نور الدين، مهمة فالمتبقي لاكتمال الملء 33 مليارا لان الملء السابق انتهى عند تخزين 41 مليارا وإجمالي سعة السد 74 مليارا فيكون المتبقى 33 مليار متر مكعب.

ووفقا لما يقوله د. نادر، فالمقارنات بين موارد مصر واثيوبيا وزراعتهم وزراعتنا وبحيراتهم وأمطارهم وانهارهم ومثيلاتها عندنا، جميعها تدحض أي حجج وإدعاءات إثيوبية، فحق مصر أصيل في المياه.

وصحيح أن السد االعالي والمخزون المائي في بحيرة ناصر حمى مصر من أزمات، ولكن لا يمكن أن نقف عند حدود هذه الحماية لأن الغرض من السد العالي، توفير فائض مائي لمصر والسودان، وسيظل كذلك، ويبقى حق مصر مياه النيل  حقا تاريخيا وفقًا للمواثيق الدولية ، ويجب الدفاع عنه بكل الوسائل وتفعيل كافة المواثيق ذات الصلة..

وننتظر من الحكومة المرتقبة تحريكا ممنهج وجديدا لأمننا القومي المائي.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا